في ذكرى رحيله السادسة
الطبيب الثائر..أسد فلسطين
شخصية منطقية ورزينة، ولكنها قادرة علي إثارة حنق الإسرائيليين. يملك القدرة على إثارة وتعبئة الشارع الفلسطيني، إلا أن الكثيرين يعتبرون مواقفه تميل إلى الدموية؛ فهو ينادي بضرب كل إسرائيلي في أي مكان وزمان. له سجل حافل بالنضال والجهاد والدعوة، لا يخلو من الاعتقالات والتعذيب والإبعاد. إنه خَلَف الشيخ ياسين في قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
- ولد الدكتور الشهيد عبد العزيز علي عبد الحفيظ الرنتيسي في 23 تشرين أول أكتوبر / 1947 في قرية يبنا "بين عسقلان ويافا"، حيث لجأت أسرته بعد حرب العام 1948 إلى قطاع غزة، واستقرت في مخيم خان يونس للاجئين، وكان عمره وقتها 6 شهور. ونشأ الرنتيسي بين 9 أخوة وأختين.
- والتحق عبد العزيز الرنتيسي في سن السادسة بمدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وكانت العائلة تعتاش على معونات وكالة الغوث، وقد اضطرته ظروف عائلته الصعبة إلى العمل وهو في سن السادسة ليساهم في إعالة أسرته الكبيرة. توفي والده بينما كان الرنتيسي الابن في الصف الثاني الإعدادي، الأمر الذي اضطر شقيقه الأكبر للسفر للسعودية للعمل لإعالة الأسرة
- ويحكي الدكتور الرنتيسي الظروف التي رافقت سفر الشقيق الأكبر والتي تكشف إلى أي حد كانت هذه الأسرة معدمة، حيث يقول الرنتيسي انه كان يملك حذاء اشتراه مستخدما من سوق المخيم، وعندما هم شقيقه بالسفر لم يكن لديه حذاء، فاضطر عبد العزيز أن يعطي شقيقه الحذاء وعاد للبيت حافي القدمين.
- ورغم ذلك كان الشهيد متميزاً في دراسته، فقد دفعته الحياة الصعبة التي عاشها، للتعلق بالعلم حيث تفوق في المرحلة الثانوية بشكل خاص وأنهى الدراسة الثانوية عام 1965، وفي صيف عام 1965 كان من العشرة الأوائل في توجيهي ـ علمي في القطاع. الأمر الذي أهله للحصول على منحة دراسية من وكالة الغوث، فاختار الطب في مصر. وتوجه إلى مدينة الإسكندرية المصرية ليلتحق بجامعتها ليدرس الطب فيها. وفي عام 1970 حصل على بكالوريوس طب عام، وواصل دراسته ليحصل على الماجستير في طب الأطفال.. وفي العام 1976 عاد للقطاع ليعمل طبيباً مقيماً في مستشفى ناصر، "وهو المركز الطبي الرئيسي في خان يونس".
سيرته الجهادية
شغل الدكتور الرنتيسي عدة مواقع في العمل العام منها عضوية هئية إدارية في المجمع الإسلامي، والجمعية الطبية العربية بقطاع غزة "نقابة الأطباء"، والهلال الأحمر الفلسطيني. وعمل في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة منذ افتتاحها عام 1978 محاضراً، يدرس مساقات في العلوم وعلم الوراثة وعلم الطفيليات.
- ويقول الرنتيسي انه أثناء إعداده للماجستير، تأثر باثنين من شيوخ الإخوان المسلمين، هما محمد عيد والمحلاوي، حيث كانا يخطبان في مسجدي «السلام»، و«ابراهيم باشا»، اللذين كانا ينتهجان نهجا صداميا من الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، ويؤكد ان الشيخ محمد عيد ترك تأثيرا هائلا على نفسه، لدرجة انه عزم على تقليد أسلوبه، لكن في مواجهة الاحتلال. وبالفعل خاض الرنتيسي كرئيس لجمعية الأطباء في غزة عام 1981 أول حملة عصيان مدني ضد الاحتلال، لرفض دفع الضرائب للاحتلال، ففرضت سلطات الاحتلال عليه الإقامة الجبرية، ثم اعتقلته. في أواخر عام 1987.
كان الرنتيسي مسئولا لجماعة الإخوان المسلمين في منطقة خان يونس، وفي عام 1987، اجتمع عدد من قادة الجماعة في القطاع، على عجل وهم الشيخ أحمد ياسين وأبو أسامة دخان ومحمد شمعة وابراهيم اليازوري وصلاح شحادة وعيسى النشار، وقرروا ان تخوض الجماعة غمار الانتفاضة تحت اسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
- وكان الرنتيسي قد صاغ أول بيان باسم الحركة الوليدة. وكعضو مؤسس في حركة «حماس»، وتعرض الرنتيسي للاعتقال خمس مرات ، في 4 شباط "فبراير" 1988 اعتقلته قوات الاحتلال، حيث ظل محتجزاً في سجون الاحتلال لمدة عامين ونصف العام، على خلفية المشاركة في أنشطة معادية للاحتلال. وأطلق سراحه في 4 أيلول "سبتمبر" عام 1990. وفي 14 كانون أول "ديسمبر" 1990 اعتقل مرة أخرى إدارياً، وظل في الاعتقال الإداري لمدة عام.
- ولعناده فقد يئس محققو جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلية «الشاباك» من جدوى التحقيق معه، حيث يشهد الذين شاهدوه في السجن انه بمجرد أن يحضر للمحققين في أقبية التحقيق، يقوم بمهاجمتهم باللكمات، ولا ينفك عن ذلك إلا بعد أن يغمى عليه من شدة ما يتعرض له من تعذيب، من هنا كان يتم تقديم لوائح الاتهام ضده بناء على اعترافات أشخاص آخرين، حيث إن قانون «تامير»، المعمول به ضد الفلسطينيين يتيح للمحاكم العسكرية الإسرائيلية إدانة أي فلسطيني بناء على اعتراف شخص آخر ضده، في حال تعذر استخلاص اعتراف منه.
وفي السجن أتم الرنتيسي حفظ القرآن الكريم، في غضون 27 شهرا قضاها في زنزانة انفرادية واحدة. وتعرض للاعتقال والحبس في صفوف السلطة الفلسطينية.
أكثر ما ميز الرنتيسي عن غيره هو صلابته وعناده واستعصاؤه على الاستجابة للضغوط، الأمر الذي اوجد له شعبية كبيرة داخل قواعد حركة «حماس » ، لدرجة أن أحدا لم يكن يوازيه من حيث قوة شعبيته، ففي «حماس» ما زالوا يذكرون الموقف الذي يصفونه بـ«التاريخي» في صيف 1998، عندما أصر الرنتيسي على تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية اغتيال محيي الدين الشريف، أحد قادة «حماس» العسكريين في الضفة الغربية، الذي على إثره تعرض للاعتقال في سجون السلطة.
- في 10 يونيو "حزيران" 2003 تعرض الرنتيسي لأول محاولة اغتيال إسرائيلية، ونجا من هذه العملية بأعجوبة، حيث استشهد اثنان من مرافقيه، بينما أصيب نجله أحمد بجروح خطرة. وظل المطلوب رقم واحد لإسرائيل حتى اغتياله.
- في 17 كانون أول "ديسمبر" 1992 أبعد مع 400 من نشطاء وكوادر حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان، حيث برز هناك ناطقا رسميا باسم المبعدين الذين رابطوا في مخيم العودة في منطقة مرج الزهور، في جنوب لبنان، لإرغام سلطات الاحتلال على إعادتهم، وتعبيراً عن رفضهم قرار الإبعاد الإسرائيلي، ونجحوا في ذلك.
وقد اعتقلته سلطات الاحتلال فور عودته من مرج الزهور، وأصدرت محكمة عسكرية إسرائيلية عليه حكماً بالسجن، حيث ظل محتجزاً حتى أواسط العام 1997.
من سجون الاحتلال إلى سجون السلطة
خرج من المعتقل ليباشر دوره في قيادة "حماس"، التي كانت قد تلقّت ضربة مؤلمة من السلطة الفلسطينية عام 1996، و أخذ يدافع بقوة عن ثوابت الشعب الفلسطيني، وعن مواقف الحركة، ويشجّع على النهوض من جديد.
- وقد اعتقلته السلطة الفلسطينية بعد أقل من عام من خروجه من سجون الاحتلال، وذلك بتاريخ 10 نيسان "أبريل" 1998، وأفرج عنه بعد 15 شهراً، بسبب وفاة والدته، وهو في المعتقلات الفلسطينية، ثم أعيد للاعتقال بعدها ثلاث مرات، ليفرَج عنه، بعد أن خاض إضراباً عن الطعام، وبعد أن قُصِف المعتقل الذي كان فيه من قبل طائرات إسرائيلية، وهو في غرفة مغلقة في السجن المركزي، لينهي بذلك ما مجموعه 27 شهراً في سجون السلطة الفلسطينية.
حاولت السلطة الفلسطينية بعد ذلك اعتقاله مرتين، ولكنها فشلت بسبب حماية الجماهير الفلسطينية لمنزله.
- وفي العاشر من حزيران "يونيو" 2003 نجا صقر "حماس" من محاولة اغتيال نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في هجوم شنته طائرات مروحية إسرائيلية على سيارته، حيث استشهد أحد مرافقيه وعدد من المارة بينهم طفلة.
وفي الرابع والعشرين من آذار "مارس" 2004، وبعد أن اغتالت يد الغدر الإسرائيلية الشيخ القعيد القائد أحمد ياسين بايعت الحركة الدكتور الرنتيسي خليفة له في الداخل، ليسير على الدرب حاملا شعل الجهاد؛ ليضيء درب السائرين نحو الأقصى، إلى أن تمكنت منه يد العدوان، فاستشهد مع 3 من مرافقيه في غارة جوية إسرائيلية استهدفت سيارته في شارع الجلاء بمنطقة الغفري شمال مدينة غزة مساء السبت17 نيسان "أبريل" 2004 ليختم حياة حافلة بالجهاد بالشهادة.
- رحل وترك خلفه مدرسة شعارها "سننتصر أيها الأخوة..لأننا دعاة حق، ولأننا دعاة وحدة"، الدكتور الطبيب الشاعر، عبد العزيز الرنتيسي، ذلك الرجل الذي كان يتمتع بالشجاعة والرأفة، فقد كان حازماً على أعدائه، متواضعا بين إخوانه، ذاك الرجل الذي لم يعرف الوهن أمام العدو إلى قلبه طريقاً، ولم تكن مصطلحات الهزيمة والانكسار والتراجع لتدخل إلى قاموسه، الذي ختم بختم المقاومة والجهاد، فقد كانت خيارته واضحة صريحة "إما النصر أو الشهادة".
من اقواله: أرض فلسطين جزء من الإيمان. وقد أعلنها الخليفة عمر بن الخطاب أرضاً للمسلمين قاطبة. ولهذا، لايحق لفرد أو جماعة بيعها أو إهداؤها."
كلماته الأخيرة
وقد قال في إحدى المناسبات "أقول لكم لأطمئنكم: لو رحل الرنتيسي والزهَّار وهنية ونزار ريَّان وسعيد صيام والجميع، فوالله لن نزداد إلا لُحمة وحبًّا، فنحن الذين تعانقت أيادينا في هذه الحياة الدنيا على الزناد، وغدًا ستتعانق أرواحنا في رحاب الله- لذلك فليغزل على غير هذا المغزل شارون والصهاينة والمتربصون، ومسيرتنا متواصلة، ودربنا صعب؛ ولكنه الدرب الوحيد الذي يصل بنا إلى ما نصبو إليه؛ ولذلك لا ضعف ولا استكانة ولا هوان على الإطلاق"
رحمك الله أيها القائد، المعلم، الطبيب، الشاعر، الإنسان ولك منا الوفاء وكل الإخلاص لمسيرتك المشرقة المضيئة في تاريخ الشعب الفلسطيني
*****************
منقول