في عام 2029ف .........
طائرة تحلق في السماء يطل من نافذتها شاب في ريعان الشباب ،
ينظر إلى تلك البقعة الخضراء يقول بلهفه ... بلادي بلادي ،
الحمد لله الذي أرجعني إليك ،
و من ثم يلتف إلى أمه بجواره و يضع يده على يدها و يقول أخيراَ رجعنا .
دمعة من الأم تنزل على الخد . هل هذه دموع الفرح ؟؟؟
تجيب الأم بابتسامة لا نعرف معناها ،
و بين هذا و ذلك يرى الابن ذلك السواد العظيم .
فسأل هل هذا كرنفال أو احتفال لإقامة مصنع جديد ؟
فأجابه احد الركاب هذا المصرف التجاري .
هل هو مصرف عالمي افتتح حديثا ؟
تعالت أصوات الضحكات من بعض الركاب ،
لا بل هذا الزحام من الناس لأجل الحصول على مرتباتهم ...
نظرات استغراب من الابن ( ابن العاشق المسكين ) و أضاف احدهم قائلا :
اخبروني بان واحد من الموظفين زق طلاق ما يخلص حد ...
المزيد و المزيد من علامات الاستغراب ، و أضاف الابن بالتأكيد تم فصله من العمل و .......
قاطعه احدهم قائلا : لا بل بالعكس فما زال يصول و يجول في المصرف .
أدار الابن وجهة عن هذا الحديث الخيالي في فكره
( الخيال قدامك مازال ماشفت شيء )
هبطت الطائرة في مطار الابرق ، و ينزل الركاب من الطائرة .
(هذا مطارق الابرق ) قالها الابن باستغراب !!!
لم يتغير فيه شيء نفس يوم رحيلنا عن البلد ....
وين شناطيكم راحن فيها كلمات صدرت من احد الموظفين .
عليك بلاد خاربه مشاركة من مواطن .
خرج الابن و أمه و أولاده من الطائرة بأمان فلم يضع منهم شيء .
أراد الابن الحصول على سيارة تاكسي فلم يجد .
فاخبروه بان السيارة الخاصة تعمل عمل التاكسي ،
ركب مع صاحب مازاد كلوى لا تمت للسيارات بصلة ،
و بداء صاحب التاكسي المصطنع في الحديث قالوا :
الحولي ب500 دينار و إن شاء الله في عيديه يبوا يعاطوها لنا على العيد
و إن شاء الله جايبين حوالى من بره و و .......
الكثير من الأحلام الصغيرة التي تتوفر للثيران الاسبانية في بلاد الغرب ،
و بعد مشوار طويل كان أطول من مشوار السفر من بريطانيا إلى ليبيا
وصل الابن إلى بلدته ،،
نظرات ثم نظرات !!!!!
لم يتغير شيء الشوارع مدمرة و الطرق مقفلة بسبب المياه و و .......
الحمد لله على السلامة قالها السائق بصوت مرتفع أيقظ الابن من استغرابه ،
نزل الابن أمام شقتهم و صعد تلك السلالم دخل الشقة و بداء مسلسل الذكريات .
هنا كنا نعاني الجوع ، و هناك كنت احلم بلعبة .
أما في تلكم الغرفة فقد بكيت كثيرا لأننا لم نحصل على ( حولي للعيد )
أما هذا الشباك فقد كان عيني على المستقبل المشرق و و ......
العديد و العديد من الذكريات .
طق طق طق ....طرقات على الباب فتح احد الأبناء الباب ،
و بصوت حنون كحنان عواء الذئب قال الطارق للطفل الذي فتح الباب هل أبوك موجود يا شاطر ؟
فرد الطفل نعم .... الصوت ليس بغريب و السؤال ليس بجديد .
دخل الضيوف ، ترحيب و ترحيب و ترحيب ...
( وينك ياراجل امرايفين عليك و اجد )
و صوت يقول صلي على النبي و بعد الصلاة قالوا له:
إن قرعة العائلة لهذه السنة ستكون لنا و نريدك أن تكون أمينا عليها ..........
انطلق الابن في خياله نعم هذه الأصوات هذه النبرات
هذا الشيخ الكبير المكفن في جرده كلها لقطات مرت علي سابقاً ...
قال الابن مقاطعاً الكلام : نعم هم انتم . سكت الجميع .......
نعم قبل عشرون عاماً أتيتم لأبي حدثتموه كهذا الحديث ،
و أنت أيها الشيخ ألا زلت حياً ! !
الم تتعظ ممن أجلستهم على الكراسي ثم تواروا تحت التراب و احدهم كان أبي .
حاول احدهم مقاطعته .... لكن الابن وقف قائلاً لهم اخرجوا ...
أتطردنا من بيتك .. ( اخرجوا ) ..
قال احدهم : (اسمع هذا وطنا و الي ما يمشش على طوعنا ما يقعدش فيها)
( اخرجوا ) بصوت مرتفع جدا قالها ..
خرج الجميع .تناول الابن تليفونه اتصل بمدير أعماله قائلاً :
أريد طائرة اليوم إلى بريطانيا ..
رد عليه يا أستاذ أنت في ليبياااااا و لست في بريطانيا ،
سأحاول تحديد موعد في أسرع فرصة ...
كلمات صدرت من مدير الأعمال ،
انطلق الابن ليلقى النظرة الأخيرة على بلده التي غاب عنها لمدة
عشرون عاماً تقريباً .
لا جديد يذكر و لا قديم يعاد ...
سأل احد المواطنين المار بالشارع هل يوجد عندكم ناس فقراء ؟
لا بل نحن دولة الفقراء قالها ذلك المواطن بحرقه ..
ثم أضاف هل أنت تستهزئ بنا أم انك لسنا من هذا الوطن ؟
انطلق و دق على أي باب تشاء فستجد الفقر في كل زواياه ،
و أشار له خلف ذلك المبنى ( داخلي البنات ) ...
انطلق و صعق من هول ما رأى...أكواخ و أكواخ .....
دق الباب ففتح له طفل لا يملك من الطفولة و متطلباتها إلا ضعف البنيان
و ابتسامة لا تدل على شيء .
تفضل يا عمو تبي شيء ، لا بل أنت يا بني هل تريد أي شيء سأشتريه لك الآن .
بشكليطه فيها عجل بدون تردد قالها الطفل ..
لحظة واحدة انتظرني هنا و ساتيك بها ،
و أثناء خروجه من منتجع الأكواخ رأي عجوز تجر الخطى .
إلى أين يا أمي ؟ إلى المصرف للتسول .
هل تقصدين للحصول على المال من المصرف؟ لا بل للتسول أمام المصرف..
اخرج مبلغا من المال كان يراه قليلاً ، قدمه لها فانكبت تقبل يديه و هي تقول :
الله يربحك الله يربحك ....
رفع الابن عينيه عن العجوز و نظر إلى تلك الوجوه التي أكلها الفقر ،
و كأنه أصبح يقراء حاجاتهم في أعينهم فهذا يريد و تلك تريد و أولئك يريدون
و تلك الحاجة مستورة و معها الحاجة حواء .
مسرعاً انطلق إلى البيت و اخذ كل المال و أثناء ذلك هطل المطر بكثافة
و عاد إليهم و قدم لكل منهم حاجته التي استنتجها من خلال أعينهم .
و فجاءهً تذكر ذلك الطفل الذي ينتظر الدراجة فعاد إلى السوق
و لا زال المطر مستمراً .
دخل ذلك الحي ثانيةً فإذا بالوجه قد تغيرت ملامحها و الفرح يكسوها ..
سبحان الله و الحمد لله ..
و عندما جاء إلى بيت الطفل وجد الطفل ما يزال يقف أمام المنزل في نفس المكان ،
و قد بلله المطر من رأسه حتى أخمس قدميه .. قال له :
لماذا لم تدخل إلى البيت أثناء المطر ...
ياعمو قلت لي لا تتحرك من مكانك حتى اتيتك بها فخفت أن أتحرك
فيضيع حلم حياتي ( بشكليطة ) ...
احتضن ذلك الطفل و أجهش بالبكاء ،
ثم أعطاه حلم حياته و الطفل يكاد يطير بل طار من الفرحة ،
رجع إلى البيت منهكاً و في اليوم التالي حصل على تذكرة المغادرة
( ذهاب بدون عودة ) و بعدما صعد الطائرة نظر إلى أمه .
نعم لقد فهمت لماذا نزلت دمعتك و برزت ابتسامتك .....
و اخرج ذلك العقد الذي كان قد وجده في مصحف أبيه قبل عشرون عاماً و الذي لا ندري ما فيه ،
و من ثم نظر من النافذة إلى تلك الأرض الخضراء ،
و كأنها نبتة سلفيوم عملاقة أكلت الجرذان جذورها و قال :
وداعــــــــــــا أيها السلفيوم ........ وداعـــــــــــاً يا نبض قلبي ......
و أنا أيضاً أقولها:
(( وداعــــــــــــاً أيها السلفيوم ))
لا يتبــــع .......... ( العمــــــــــدة )