يحتفل العالم بيوم للشجرة فيقوم بزراعة ملايين الأشجار من أجل زيادة كمية الأكسجين الناتج عن عملية النتح ،وصناعة مصدات للرياح العاتية ، وفي بعض بلدان أوربا يُخصص يوم لعيد الزهور تقطف فيه الأعواد اليابسة وترعى منها اليانعة ويبتهج بألوان وأوراق النباتات الخضراء ، كما يحي العالم أسبوع المرور للمحافظة على أرواح الناس ولترسيخ مقولة قديمة لا نعيرها أي اهتمام وهي أن القيادة فن وذوق وأخلاق ، ويقيم سكان الأرض يوما للبيئة فينظم حملات لتنظيف وتزيين الشوارع والأزقة من أجل الحصول على الهواء النقي حتى يصبح الطقس عليلاً ولو مرة واحدة في العام ، وفي هذه السنة رأى أصدقاء البيئة أن تركن سياراتهم ومختلف الآليات التي تدور محركاتها بالوقود إلى الراحة طلبا للهدوء والسكينة بدلا من الضوضاء والضجيج وتلوث الفضاء بالأدخنة والغبار الناتج عن عوادم السيارات والقطارات .. فلا يمر يوم إلا ونسمع فيه احتفاءً بعيد من الأعياد التي تخص حياة كل البشر فوق كوكب الأرض ، فمن يوم للامتناع عن التدخين إلى يوم لإحياء الأرض إلى يوم ثالث لتعزيز حقوق الإنسان وهكذا هي الأيام على مدار السنة .
نحن في ليبيا قررنا أن نقيم أياماً للدعاك احتفالا بالفوضى وتخبط إدارتنا وانعدام الذوق وغياب الأخلاق .. وكانت البداية من مركز التطوير الذي سن قوانينه الجديدة لمعالجة أخطاء إدارية وقع فيها المسؤولون .. في محاولة لرمي عواقب الفشل التنظيمي على حساب المواطنين وبطريقة مضحكة ، فكانت هذه الفكرة التي لا تخطر على بال شيطان ، وهي ضرورة مثول المحالين إلى مركز التطوير" شخصياً" أمام لجان تقيم في أفخم الفنادق ويصرف لها بالطبع بدل مبيت مع المواصلات والنثريات وما يتبعها والكارثة أن العدد ليس قليلاً ليمكن هذه اللجان من إنجاز المهمة في زمن قياسي لآلاف البشر من الجنسين الذكور والإناث ، وبالفعل حضر " التريس المحصحص " والنساء الضعيفات في تجمع فريد لم يحدث من قبل ، حتى أنني شككت في تعداد سكان ليبيا حسب الإحصائيات الأخيرة التي توضح بياناتها أن عدد الليبيين حوالي خمسة ملايين وقلت في ذات نفسي لا بد أن تعداد الليبيين يفوق هذا الرقم بكثير وربما يصل إلى الخمسين مليون نسمة ، رغم حوادث السير التي حصدت الآلاف ورغم البحر الذي ابتلع المئات ورغم جرائم القتل التي قضت على العشرات ، هذا خلاف السرطان والفشل الكلوي وأمراض القلب والسكتة القلبية والهبوط والموت المفاجئ وعلل أخرى لا نعرف من أين جاءت حار في أمرها الأطباء الليبيين ..ورغم الدارسين في الخارج ورغم المهاجرين إلى أوروبا لأسباب مختلفة .. منها السياسية وظروف البحث عن عمل وأخرى تتعلق بعدم الاستقرار النفسي في بلد يتسع لنصف سكان الكرة .
في هذا الدعاك ترى في عيون الليبيين .. الجوع و الفقر والعوز و الأنانية والتخلف وعدم النظام وصلف الموظفين وغطرستهم على أبناء وطنهم الذين وجدوا أنفسهم في موقف لا يحسدهم عليه أبناء الدول الفقيرة .. فتشاهد النساء والعجايز تحت أقدام الرجال والشرطة في مناظر لا تليق بأخلاق مجتمعنا .. وترى معارك ضارية بغية الوصول إلى الموظف المكلف ليمنحك نموذج تقبض بعد تعبئته على صك مرتبك القادم على ظهر سلحفاة من طرابلس العاصمة التي تولت عرش المركزية بعد سقوط نظام الشعبيات .. وترى المرضى والعجزة والأطفال الرضع يصرخون في أحضان أمهاتهم المحالات على التطوير ، ترى كل شيء لم يعهده الشعب الليبي البسيط من قبل .
دعاك .. دعاك .. لا احترام فيه للمرأة .. ولا لكبير السن .. ولا لمريض .. ولا لمرضعة .. ولا لسيدة أو آنسة ولا لمتحجبة ولا لسافرة .. ولا لوم على أي مواطن رمى زوجته أو ابنته وسط دوامة الازدحام من أجل لقمة العيش التي طال انتظارها من دولة تملك المليارات الفائضة والمجنبة ولا تعرف أين ولا كيف تصرفها ؟.
الحاصل .. كي نلحق بركب الحضارة يلزمنا الوقت الطويل حتى ندرك جدوى الانتظام في طوابير طويلة ، وهي ظاهرة حضارية نجدها في كل بلدان العالم .. كما يلزم دولتنا الفتية والموقرة والمحترمة مراحل لا حصر لها حتى تقف طويلاً عند قيمة الإنسان .. فتحترمه وتقدم له أفضل الخدمات بأيسر الطرق التي تعتمد على الإدارة الالكترونية كنظام دقيق وأسلوب عصري مريح للطرفين .. أقصد الدولة والمواطن على حد سواء !!. أليس كذلك ؟